الكربون الأسود: جسيمات دقيقة ذات تأثيرات واسعة







الكربون الأسود

الكربون الأسود (Black Carbon - BC) هو نوع من الجسيمات الدقيقة (PM) الناتجة عن الاحتراق غير الكامل للمواد العضوية مثل الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي)، والكتلة الحيوية (الخشب وروث الحيوانات والمحاصيل الزراعية)، والوقود الحيوي. يتكون بشكل أساسي من الكربون النقي بأشكال مختلفة، ويتميز بلونه الداكن القاتم وقدرته العالية على امتصاص الضوء.



الكربون الأسود: جسيمات دقيقة ذات تأثيرات واسعة



على الرغم من أن الكربون الأسود يشكل جزءًا صغيرًا من إجمالي الجسيمات الدقيقة في الغلاف الجوي، إلا أن تأثيراته البيئية والصحية كبيرة ومتعددة الأوجه. 

مصادر الكربون الأسود

ينتج الكربون الأسود عن مجموعة متنوعة من الأنشطة البشرية والطبيعية، وتشمل أهم مصادره ما يلي:
▪︎ الاحتراق المنزلي للوقود الصلب: يعد حرق الأخشاب وروث الحيوانات والفحم للتدفئة والطهي في المنازل، خاصة في المناطق النامية، مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات الكربون الأسود.
▪︎ محركات الديزل: تعتبر المركبات التي تعمل بمحركات الديزل، مثل الشاحنات والحافلات والآلات الثقيلة، مساهمًا كبيرًا في انبعاثات الكربون الأسود في المناطق الحضرية وعلى طول الطرق الرئيسية.
▪︎ الصناعة: بعض العمليات الصناعية التي تتضمن حرق الوقود أو المواد العضوية، مثل إنتاج الأسمنت والطوب، يمكن أن تطلق كميات كبيرة من الكربون الأسود.
▪︎ حرق الكتلة الحيوية في الهواء الطلق: تشمل حرائق الغابات وحرق المخلفات الزراعية وحرق النفايات، وتعتبر مصادر هامة للكربون الأسود على المستويين الإقليمي والعالمي.
▪︎ احتراق الطائرات: تساهم محركات الطائرات النفاثة أيضًا في انبعاثات الكربون الأسود في طبقات الجو العليا. 

تأثيرات الكربون الأسود على المناخ

للكربون الأسود تأثيرات معقدة على نظام المناخ، أبرزها:
▪︎ امتصاص الإشعاع الشمسي وتسخين الغلاف الجوي: على عكس معظم الجسيمات الأخرى التي تعكس ضوء الشمس، يمتص الكربون الأسود الإشعاع الشمسي بكفاءة عالية ويحوله إلى حرارة، مما يؤدي إلى تدفئة الغلاف الجوي، ويعتبر هذا التأثير ثاني أقوى عامل مساهم في الاحترار العالمي بعد ثاني أكسيد الكربون.
▪︎ التأثير على تشكل السحب وخصائصها: يمكن لجسيمات الكربون الأسود أن تعمل كنوى لتكثف بخار الماء لتكوين السحب، ومع ذلك، يمكن أن يؤثر وجودها على خصائص السحب، مثل حجم قطرات الماء وعمر السحابة، مما يؤدي إلى تأثيرات غير مؤكدة على التوازن الإشعاعي.
▪︎ تسريع ذوبان الجليد والثلوج: عندما يستقر الكربون الأسود على أسطح الثلوج والجليد، فإنه يقلل من قدرتها على عكس ضوء الشمس (البياض)، مما يزيد من امتصاصها للحرارة ويسرع من ذوبانها، وهذا التأثير له عواقب وخيمة على المناطق القطبية والجبال الثلجية والأنهار الجليدية، ويساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر.
▪︎ التأثيرات الإقليمية على أنماط الطقس والدورة الهيدرولوجية: يمكن للكربون الأسود أن يؤثر على أنماط الرياح والأمطار على المستويات الإقليمية، مما قد يؤدي إلى تغيرات في هطول الأمطار والجفاف والفيضانات، وعلى سبيل المثال، يُعتقد أن تراكم الكربون الأسود فوق جبال الهيمالايا يلعب دورًا في تغيير أنماط الرياح الموسمية في جنوب آسيا. 

التأثيرات الصحية للكربون الأسود

يمثل التعرض للكربون الأسود مخاطر صحية كبيرة على الإنسان، خاصة عند استنشاقه، وتشمل بعض الآثار الصحية الرئيسية ما يلي:
▪︎ أمراض الجهاز التنفسي: يمكن لجسيمات الكربون الأسود الدقيقة أن تخترق عمق الرئتين وتسبب أو تفاقم مشاكل الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية وانتفاخ الرئة.
▪︎ أمراض القلب والأوعية الدموية: يمكن أن تدخل الجسيمات الدقيقة مجرى الدم وتساهم في تطور أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
▪︎ السرطان: صنفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) انبعاثات محركات الديزل، التي تحتوي على كميات كبيرة من الكربون الأسود، على أنها مادة مسرطنة محتملة للإنسان.
▪︎ الوفيات المبكرة: تشير الدراسات الوبائية إلى وجود صلة بين التعرض لتركيزات عالية من الجسيمات الدقيقة، بما في ذلك الكربون الأسود، وزيادة خطر الوفيات المبكرة.
▪︎ آثار أخرى: قد يرتبط التعرض للكربون الأسود بآثار صحية أخرى مثل مشاكل النمو العصبي لدى الأطفال والسكري. 

الحد من انبعاثات الكربون الأسود

نظرًا لتأثيراته الضارة المتعددة، يعتبر الحد من انبعاثات الكربون الأسود استراتيجية مهمة للتخفيف من تغير المناخ وتحسين جودة الهواء والصحة العامة، وتشمل بعض الإجراءات والتقنيات المتاحة ما يلي:
▪︎ تحسين كفاءة الاحتراق: تطوير واستخدام تقنيات احتراق أكثر كفاءة في المنازل والصناعات ووسائل النقل لتقليل الانبعاثات غير الكاملة.
▪︎ استخدام وقود أنظف: التحول إلى أنواع وقود أنظف مثل الغاز الطبيعي المسال (LNG) والكهرباء والوقود الحيوي المستدام في وسائل النقل والصناعة.
▪︎ تركيب مرشحات الجسيمات: استخدام مرشحات الجسيمات عالية الكفاءة في محركات الديزل والمصادر الصناعية لالتقاط جسيمات الكربون الأسود قبل إطلاقها في الغلاف الجوي.
▪︎ الحد من حرق الكتلة الحيوية في الهواء الطلق: تطبيق ممارسات زراعية مستدامة تقلل من الحاجة إلى حرق المخلفات الزراعية، وإدارة حرائق الغابات بشكل فعال.
▪︎ توفير حلول طهي نظيفة: توفير مواقد طهي نظيفة وفعالة للسكان في المناطق النامية لتقليل انبعاثات الكربون الأسود الناتجة عن حرق الوقود الصلب في المنازل.
▪︎ السياسات واللوائح: تنفيذ سياسات ولوائح صارمة للحد من انبعاثات الكربون الأسود من مختلف القطاعات. 

الخلاصة:
الكربون الأسود هو ملوث مناخي وهواء قوي له تأثيرات كبيرة على المناخ والصحة العامة، إن فهم مصادره وتأثيراته المعقدة أمر بالغ الأهمية لتطوير وتنفيذ استراتيجيات فعالة للحد من انبعاثاته، ومن خلال تبني تقنيات أنظف وسياسات أكثر صرامة، يمكننا تقليل الآثار الضارة للكربون الأسود والمساهمة في مستقبل أكثر استدامة وصحة.