نصائح بشأن تربية الأطفال في العصر الرقمي







كيف تؤثر العوامل البيئية والشخصية المختلفة على نمو الأطفال والمراهقين وسلوكهم؟

تؤثر العوامل البيئية والشخصية المختلفة بشكل كبير على نمو الأطفال والمراهقين وسلوكهم، وبخصوص ذلك توضح الدكتورة جاكلين نيسي في عملها عبر "Technosapiens" أن هذه التفاعلات معقدة، وأن فهمها يتطلب النظر في مجموعة واسعة من المؤثرات.



نصائح بشأن تربية الأطفال في العصر الرقمي



العوامل الرقمية (وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو)

تشير نيسي إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت على الأرجح في أزمة الصحة العقلية للمراهقين، على الرغم من أن "الأزمات واسعة النطاق في مجال الصحة العقلية هي ظواهر معقدة، ومن المحتمل أن تكون هناك أسباب متعددة"، فمثلاً، زيادة حالات الاكتئاب والقلق والانتحار بين المراهقات، والتي بدأت تظهر بشكل خاص حوالي عام 2012، تتزامن مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي على الهواتف الذكية، ويمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تضخم التأثيرات السلبية الأخرى، مثل التعرض للأخبار السلبية والضغوط الأكاديمية والاجتماعية، كما أن هناك دراسات شبه تجريبية وجدت أن إدخال فيسبوك في الكليات أدى إلى زيادة مشاكل الصحة العقلية، وخاصة الاكتئاب.
من ناحية أخرى، يمكن أن توفر وسائل التواصل الاجتماعي فوائد مثل البقاء على اتصال مع الأصدقاء، والتعرف على أقران متشابهين في التفكير، والتعلم، ومع ذلك، فإن هذه المنصات "لا تُصمم عادة مع مراعاة التوازن الصحيح بين المخاطر والفوائد".
بالنسبة لألعاب الفيديو، تشير نيسي إلى أن لعب ألعاب الفيديو العنيفة يمكن أن يزيد من خطر السلوك العدواني، والأفكار العدوانية، والمشاعر العدوانية، بالإضافة إلى تقليل التعاطف والسلوك المؤيد للمجتمع، ومع ذلك، فإن هذه المخاطر "صغيرة، ولذا فإن العوامل الأخرى (البيئة الأسرية، شخصية الطفل) ربما تكون أكثر أهمية"، كما أن ألعاب الفيديو يمكن أن تكون منفذًا اجتماعيًا مهمًا للمراهقين، وخاصة الأولاد.
توضح نيسي أن الدوبامين يلعب دورًا في استخدام الأطفال للشاشات لأنه جزء من نظام المكافأة في الدماغ الذي يحفز تكرار السلوكيات الممتعة، ولكن "مجرد أن الدوبامين متورط لا يعني أن الشاشات خطيرة أو سامة، فالدوبامين ليس سببًا للذعر، إنه فقط... كيفية عمل الدماغ"، ومع ذلك، يمكن تصميم بعض أنواع استخدام الشاشات، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، لتكون مجزية للغاية ويصعب التوقف عنها. 

البيئة الأسرية ودور الوالدين

تعتبر البيئة الأسرية من العوامل الحاسمة، وتؤكد نيسي على أن التربية الاستبدادية (authoritative parenting)، التي تتميز بمستويات عالية من الدفء والهيكل، مرتبطة بشكل إيجابي بكل شيء من تقدير الذات لدى الأطفال إلى التحصيل الأكاديمي.
_ الدفء: يعني إظهار المودة والدعم للطفل، والاستماع إليه، ومنحه الاستقلالية، ودعوته للمشاركة في المحادثة.
_ الهيكل: يشير إلى وجود حدود وقواعد وتوقعات متسقة ويمكن التنبؤ بها. 

التعامل الفعال مع السلوك يعتمد على فهم "التكييف الإجرائي" (Operant Conditioning)، حيث "السلوكيات التي تتبعها نتيجة جيدة تكون أكثر احتمالا للحدوث في المستقبل" و"السلوكيات التي تتبعها نتيجة سيئة تكون أقل احتمالا للحدوث في المستقبل"، على سبيل المثال، يمثل انتباه الوالدين "النتيجة الإيجابية المطلقة" بالنسبة للأطفال الصغار، حتى لو كان ذلك على شكل توبيخ.
العلاقات بين الأشقاء أيضًا عامل بيئي مهم، حيث يمكن للوالدين تشجيع العلاقات الإيجابية من خلال توفير فرص للأنشطة المشتركة، وتذكير الأطفال بوجهات نظر أشقائهم لتنمية التعاطف، ومساعدتهم على تنظيم عواطفهم، وتعليمهم إدارة النزاعات. 

البيئة المدرسية

تؤثر السياسات المدرسية المتعلقة بالهواتف المحمولة على التحصيل الأكاديمي والتفاعلات الاجتماعية، فقد وجدت الدراسات أن حظر الهواتف في المدارس يمكن أن يؤدي إلى تحسينات صغيرة ولكنها مهمة في نتائج الاختبارات، خاصة للطلاب ذوي التحصيل المنخفض، وترى نيسي أن "الهواتف يمكن أن تشتت الانتباه عن العمل الأكاديمي وتقطع التفاعلات الاجتماعية الشخصية"، وهذا يمكن أن يؤدي إلى ضعف الأداء الأكاديمي، وانخفاض الانتباه، وضعف الذاكرة، وزيادة الشعور بالتوتر في الفصل. 

العوامل الشخصية والفروق الفردية

تؤكد نيسي على أن تأثيرات لوسائل التواصل الاجتماعي تعتمد حقًا على كيفية استخدام المراهقين لها، فالأطفال الذين يعانون من مشاكل في حياتهم "خارج الإنترنت" (مثل التعرض للتنمر، أو سلوكيات محفوفة بالمخاطر، أو صعوبات عاطفية) هم أكثر عرضة للمعاناة عبر الإنترنت، على سبيل المثال، المراهقون الذين يعانون من أعراض الاكتئاب هم أكثر عرضة للمقارنة السلبية مع الآخرين عبر الإنترنت،
كما أن قدرة المراهقين على اتخاذ القرارات وتنظيم العواطف تتأثر بالتغيرات الدماغية التي تجعل المخاطرة تبدو ممتعة ومثيرة، ويشيرون إلى أن المراهقين يطورون قيمهم وأهدافهم وهويتهم، والتي تتأثر بالأقران والأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام،
التفكير الدخيل، على سبيل المثال، وهو أمر شائع جدًا (يبلغ عنه 74% إلى 94% من البالغين)، يمكن أن يتأثر بمستويات التوتر أو التغيرات الهرمونية، وتوضح نيسي أن "الحد من الأفكار الدخيلة هو... عدم فعل شيء"، فكلما حاولنا قمعها، زادت قوتها. 

باختصار، تؤكد جاكلين نيسي أن نمو الأطفال والمراهقين وسلوكهم يتشكل من خلال شبكة معقدة من العوامل البيئية، مثل سياسات الشاشة في المدارس، وبيئة الأسرة (الدفء، الهيكل، الانضباط، العلاقات بين الأشقاء)، وتصميم المنصات الرقمية، بالإضافة إلى العوامل الشخصية مثل العمر، والجنس، والشخصية، والحالة العقلية الموجودة مسبقًا، تتطلب التربية الفعالة أخذ كل هذه الجوانب في الاعتبار وتكييف النهج بناءا على الاحتياجات الفريدة لكل طفل.